-->
-->
قَالَ مَالِكٌ وَشُعْبَةُ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي سَفَرٍ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ . أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ( 1 ) وَطُورِ سِينِينَ ( 2 ) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ( 3 ) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ( 4 ) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ( 5 ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ( 6 ) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ( 7 ) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ( 8 ) )
اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ فَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالتِّينِ مَسْجِدُ دِمَشْقَ . وَقِيلَ : هِيَ نَفْسُهَا . وَقِيلَ : الْجَبَلُ الَّذِي عِنْدَهَا .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : هُوَ مَسْجِدُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ .
وَرَوَى الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ مَسْجِدُ نُوحٍ الَّذِي عَلَى الْجُودِيِّ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : هُوَ تِينِكُمْ هَذَا .
( وَالزَّيْتُونِ ) قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ ، وَغَيْرُهُمْ : هُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ : هُوَ هَذَا الزَّيْتُونُ الَّذِي تَعْصِرُونَ .
( وَطُورِ سِينِينَ ) قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ : هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى .
( وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) يَعْنِي : مَكَّةَ . قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحُسْنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ . وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ .
وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ : هَذِهِ مَحَالُّ ثَلَاثَةٌ ، بَعَثَ اللَّهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَبِيًّا مُرْسَلًا مِنْ أُولِي الْعَزْمِ أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ الْكِبَارِ ، فَالْأَوَّلُ : مَحَلَّةُ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ ، وَهِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ فِيهَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ . وَالثَّانِي : طُورُ سِينِينَ ، وَهُوَ طُورُ سَيْنَاءَ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ . وَالثَّالِثُ : مَكَّةُوَهُوَ الْبَلَدُ الْأَمِينُ الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ، وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ فِيهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
[ ص: 435 ]
قَالُوا : وَفِي آخِرِ التَّوْرَاةِ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ : جَاءَ اللَّهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ - يَعْنِي الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى [ بْنَ عِمْرَانَ ] - وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ - يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ مِنْهُ عِيسَى - وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ - يَعْنِي : جِبَالَ مَكَّةَ الَّتِي أَرْسَلَ اللَّهُ مِنْهَا مُحَمَّدًا - فَذَكَرَهُمْ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ بِحَسَبِ تَرْتِيبِهِمْ فِي الزَّمَانِ ، وَلِهَذَا أَقْسَمَ بِالْأَشْرَفِ ، ثُمَّ الْأَشْرَفِ مِنْهُ ، ثُمَّ بِالْأَشْرَفِ مِنْهُمَا .
وَقَوْلُهُ : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَشَكْلٍ ، مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ ، سَوِيَّ الْأَعْضَاءِ حَسَنَهَا .
( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) أَيْ : إِلَى النَّارِ . قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ ، وَغَيْرُهُمْ . ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الْحُسْنِ وَالنَّضَارَةِ مَصِيرُهُ إِلَى النَّارِ إِنْ لَمْ يُطِعِ اللَّهَ وَيَتَّبِعِ الرُّسُلَ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : ( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) أَيْ : إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ . رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ - حَتَّى قَالَ عِكْرِمَةُ : مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ . وَاخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ . وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَمَا حَسُنَ اسْتِثْنَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْهَرَمَ قَدْ يُصِيبُ بَعْضَهُمْ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، كَقَوْلِهِ : ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) [ الْعَصْرِ : 1 - 3 ] .
وَقَوْلُهُ : ( فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) أَيْ : غَيْرُ مَقْطُوعٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
ثُمَّ قَالَ : ( فَمَا يُكَذِّبُكَ ) يَعْنِي : يَا ابْنَ آدَمَ ( بَعْدُ بِالدِّينِ ) ؟ أَيْ : بِالْجَزَاءِ فِي الْمَعَادِ ، وَقَدْ عَلِمْتَ الْبَدْأَةَ ، وَعَرَفْتَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْبَدْأَةِ ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الرَّجْعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَحْمِلُكَ عَلَى التَّكْذِيبِ بِالْمَعَادِ وَقَدْ عَرَفْتَ هَذَا ؟
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ : قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ : ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) عَنَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ! عَنَى بِهِ الْإِنْسَانَ . وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ .
وَقَوْلُهُ : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) أَيْ : أَمَا هُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ، الَّذِي لَا يَجُورُ وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا ، وَمِنْ عَدْلِهِ أَنْ يُقِيمَ الْقِيَامَةَ فَيُنْصِفَ الْمَظْلُومَ فِي الدُّنْيَا مِمَّنْ ظَلَمَهُ . وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : " فَإِذَا قَرَأَ أَحَدُكُمْ ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) فَأَتَى عَلَى آخِرِهَا : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ )فَلْيَقُلْ : بَلَى ، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ " .
آخِرُ تَفْسِيرِ [ سُورَةِ ] " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
المصدر تفسير بن كثير
اسلام ويب
قَالَ مَالِكٌ وَشُعْبَةُ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي سَفَرٍ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ . أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ( 1 ) وَطُورِ سِينِينَ ( 2 ) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ( 3 ) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ( 4 ) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ( 5 ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ( 6 ) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ( 7 ) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ( 8 ) )
اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ فَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالتِّينِ مَسْجِدُ دِمَشْقَ . وَقِيلَ : هِيَ نَفْسُهَا . وَقِيلَ : الْجَبَلُ الَّذِي عِنْدَهَا .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : هُوَ مَسْجِدُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ .
وَرَوَى الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ مَسْجِدُ نُوحٍ الَّذِي عَلَى الْجُودِيِّ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : هُوَ تِينِكُمْ هَذَا .
( وَالزَّيْتُونِ ) قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ ، وَغَيْرُهُمْ : هُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ : هُوَ هَذَا الزَّيْتُونُ الَّذِي تَعْصِرُونَ .
( وَطُورِ سِينِينَ ) قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ : هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى .
( وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) يَعْنِي : مَكَّةَ . قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحُسْنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ . وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ .
وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ : هَذِهِ مَحَالُّ ثَلَاثَةٌ ، بَعَثَ اللَّهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَبِيًّا مُرْسَلًا مِنْ أُولِي الْعَزْمِ أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ الْكِبَارِ ، فَالْأَوَّلُ : مَحَلَّةُ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ ، وَهِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ فِيهَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ . وَالثَّانِي : طُورُ سِينِينَ ، وَهُوَ طُورُ سَيْنَاءَ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ . وَالثَّالِثُ : مَكَّةُوَهُوَ الْبَلَدُ الْأَمِينُ الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ، وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ فِيهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
[ ص: 435 ]
قَالُوا : وَفِي آخِرِ التَّوْرَاةِ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ : جَاءَ اللَّهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ - يَعْنِي الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى [ بْنَ عِمْرَانَ ] - وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ - يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ مِنْهُ عِيسَى - وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ - يَعْنِي : جِبَالَ مَكَّةَ الَّتِي أَرْسَلَ اللَّهُ مِنْهَا مُحَمَّدًا - فَذَكَرَهُمْ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ بِحَسَبِ تَرْتِيبِهِمْ فِي الزَّمَانِ ، وَلِهَذَا أَقْسَمَ بِالْأَشْرَفِ ، ثُمَّ الْأَشْرَفِ مِنْهُ ، ثُمَّ بِالْأَشْرَفِ مِنْهُمَا .
وَقَوْلُهُ : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَشَكْلٍ ، مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ ، سَوِيَّ الْأَعْضَاءِ حَسَنَهَا .
( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) أَيْ : إِلَى النَّارِ . قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ ، وَغَيْرُهُمْ . ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الْحُسْنِ وَالنَّضَارَةِ مَصِيرُهُ إِلَى النَّارِ إِنْ لَمْ يُطِعِ اللَّهَ وَيَتَّبِعِ الرُّسُلَ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : ( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) أَيْ : إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ . رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ - حَتَّى قَالَ عِكْرِمَةُ : مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ . وَاخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ . وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَمَا حَسُنَ اسْتِثْنَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْهَرَمَ قَدْ يُصِيبُ بَعْضَهُمْ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، كَقَوْلِهِ : ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) [ الْعَصْرِ : 1 - 3 ] .
وَقَوْلُهُ : ( فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) أَيْ : غَيْرُ مَقْطُوعٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
ثُمَّ قَالَ : ( فَمَا يُكَذِّبُكَ ) يَعْنِي : يَا ابْنَ آدَمَ ( بَعْدُ بِالدِّينِ ) ؟ أَيْ : بِالْجَزَاءِ فِي الْمَعَادِ ، وَقَدْ عَلِمْتَ الْبَدْأَةَ ، وَعَرَفْتَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْبَدْأَةِ ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الرَّجْعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَحْمِلُكَ عَلَى التَّكْذِيبِ بِالْمَعَادِ وَقَدْ عَرَفْتَ هَذَا ؟
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ : قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ : ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) عَنَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ! عَنَى بِهِ الْإِنْسَانَ . وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ .
وَقَوْلُهُ : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) أَيْ : أَمَا هُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ، الَّذِي لَا يَجُورُ وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا ، وَمِنْ عَدْلِهِ أَنْ يُقِيمَ الْقِيَامَةَ فَيُنْصِفَ الْمَظْلُومَ فِي الدُّنْيَا مِمَّنْ ظَلَمَهُ . وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : " فَإِذَا قَرَأَ أَحَدُكُمْ ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) فَأَتَى عَلَى آخِرِهَا : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ )فَلْيَقُلْ : بَلَى ، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ " .
آخِرُ تَفْسِيرِ [ سُورَةِ ] " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
المصدر تفسير بن كثير
اسلام ويب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق