تَفْسِيرُ السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْمَاعُونُ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ( 1 ) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ( 2 ) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ( 3 ) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ( 4 ) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ( 5 ) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ( 6 ) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ( 7 ) )
يَقُولُ تَعَالَى : أَرَأَيْتَ - يَا مُحَمَّدُ - الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ؟ وَهُوَ : الْمَعَادُ وَالْجَزَاءُ وَالثَّوَابُ ( فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) أَيْ : هُوَ الَّذِي يَقْهَرُ الْيَتِيمَ وَيَظْلِمُهُ حَقَّهُ ، وَلَا يُطْعِمُهُ وَلَا يُحْسِنُ إِلَيْهِ ( وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) [ الْفَجْرِ : 17 ، 18 ] يَعْنِي : الْفَقِيرَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ يَقُومُ بِأَوْدِهِ وَكِفَايَتِهِ .
ثُمَّ قَالَ : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَغَيْرُهُ : يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ ، الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي الْعَلَانِيَةِ وَلَا يُصَلُّونَ فِي السِّرِّ .
وَلِهَذَا قَالَ : ( لِلْمُصَلِّينَ ) أَيْ : الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَقَدِ الْتَزَمُوا بِهَا ، ثُمَّ هُمْ عَنْهَا سَاهُونَ ، إِمَّا عَنْ فِعْلِهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَإِمَّا عَنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا ، فَيُخْرِجُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، كَمَا قَالَهُ مَسْرُوقٌ وَأَبُو الضُّحَى .
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ : وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ : ( عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) وَلَمْ يَقِلْ : فِي صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ .
وَإِمَّا عَنْ وَقْتِهَا الْأَوَّلِ فَيُؤَخِّرُونَهَا إِلَى آخِرِهِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا . وَإِمَّا عَنْ أَدَائِهَا بِأَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ . وَإِمَّا عَنِ الْخُشُوعِ فِيهَا وَالتَّدَبُّرِ لِمَعَانِيهَا ، فَاللَّفْظُ يَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ ، وَلَكُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قِسْطٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ . وَمَنِ اتَّصَفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ، فَقَدْ تَمَّ نَصِيبُهُ مِنْهَا ، وَكَمُلَ لَهُ النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهُ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا " فَهَذَا آخَّرَ صَلَاةَ الْعَصْرِ الَّتِي هِيَ الْوُسْطَى ، كَمَا ثَبَتَ بِهِ النَّصُّ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا ، وَهُوَ وَقْتُ كَرَاهَةٍ ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَنَقَرَهَا نَقْرَ الْغُرَابِ ، لَمْ يَطْمَئِنَّ وَلَا خَشَعَ فِيهَا أَيْضًا ; وَلِهَذَا قَالَ : " لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا " . وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى الْقِيَامِ إِلَيْهَا مُرَاءَاةَ النَّاسِ ، لَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ [ ص: 494 ] اللَّهِ ، فَهُوَ إِذًا لَمْ يُصَلِّ بِالْكُلِّيَّةِ . قَالَ تَعَالَى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ) [ النِّسَاءِ : 142 ] . وَقَالَ هَاهُنَا : ( الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ )
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبْدَوَيْهِ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِيًا تَسْتَعِيذُ جَهَنَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ ، أُعِدَّ ذَلِكَ الْوَادِيَ لِلْمُرَائِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ : لِحَامِلِ كِتَابِ اللَّهِ ، وَلِلْمُصَّدِّقِ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ ، وَلِلْحَاجِّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ ، وَلِلْخَارِجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ فَذَكَّرُوا الرِّيَاءَ ، فَقَالَ رَجُلٌ يُكَنَّى بِأَبِي يَزِيدَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ ، سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ سَامِعَ خَلْقِهِ ، وَحَقَّرَهُ وَصَغَّرَهُ " .
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ غُنْدَرٍ ، وَيَحْيَى الْقَطَّانِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَهُ .
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ) أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِلَّهِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ ، أَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ رِيَاءً ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمُوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كُنْتُ أَصَلِّي ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ ، فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ ، فَذَكَرْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " كُتِبَ لَكَ أَجْرَانِ : أَجْرُ السِّرِّ ، وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ " .
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ : بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ : نِعْمَ الْحَدِيثُ لِلْمُرَائِينَ .
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ مُتَوَسِّطٌ ، وَرِوَايَتُهُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَزِيزَةٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْهُ .
قَالَ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ مُوسَى ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ يُسِرُّهُ ، فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَهُ أَجْرَانِ : أَجْرُ السِّرِّ [ ص: 495 ] وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ " .
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى . وَابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ بُنْدَارٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ - وَاسْمُهُ : ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ . ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : غَرِيبٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ وَغَيْرُهُ . عَنْ حَبِيبٍ عَنِ [ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] مُرْسَلًا .
وَقَدْ قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) قَالَ : " اللَّهُ أَكْبَرُ ، هَذَا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ لَوْ أُعْطِيَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ جَمِيعِ الدُّنْيَا ، هُوَ الَّذِي إِنْ صَلَّى لَمْ يَرْجُ خَيْرَ صِلَاتِهِ ، وَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ يَخَفْ رَبَّهُ " .
فِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَشَيْخُهُ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا : حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ أَبَانٍ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ : ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) قَالَ : " هُمُ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا " .
وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا يَحْتَمِلُ تَرْكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، أَوْ صَلَاتَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا شَرْعًا ، أَوْ تَأْخِيرَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ [ سَهْوًا حَتَّى ضَاعَ ] الْوَقْتُ .
وَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ . ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ مُصْعَبٍ ، عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا ، وَهَذَا أَصَحُّ إِسْنَادًا ، وَقَدْ ضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ رَفْعَهُ ، وَصَحَّحَ وَقْفَهُ ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ .
وَقَوْلُهُ : ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) أَيْ : لَا أَحْسَنُوا عِبَادَةَ رَبِّهِمْ ، وَلَا أَحْسَنُوا إِلَى خَلْقِهِ حَتَّى وَلَا بِإِعَارَةِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَيُسْتَعَانُ بِهِ ، مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَرُجُوعِهِ إِلَيْهِمْ . فَهَؤُلَاءِ لِمَنْعِ الزَّكَاةِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ أُولَى وَأُولَى . وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : قَالَ عَلِيٌّ : الْمَاعُونُ : الزَّكَاةُ . وَكَذَا رَوَاهُ السُّدِّيُّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيٍّ . وَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ . وَبِهِ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعَطَاءٌ ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ ، وَالزَّهْرِيُّ ، وَالْحُسْنُ ، وَقَتَادَةُ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَابْنُ زَيْدٍ .
[ ص: 496 ]
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : إِنْ صَلَّى رَاءَى ، وَإِنْ فَاتَتْهُ لِمَ يَأْسَ عَلَيْهَا ، وَيَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ وَفِي لَفْظٍ : صَدَقَةَ مَالِهِ .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : هُمُ الْمُنَافِقُونَ ظَهَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْهَا ، وَضَمِنَتِ الزَّكَاةُ فَمَنَعُوهَا .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ : أَنَّ أَبَا الْعُبَيْدَيْنِ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنِ الْمَاعُونِ ، فَقَالَ : هُوَ مَا يَتَعَاوَرُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفَأْسِ وَالْقِدْرِ ، [ وَالدَّلْوِ ] .
[ وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ : أَنَّهُ سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ الْمَاعُونِ ، فَقَالَ : هُوَ مَا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ ، مِنَ الْفَأْسِ وَالْقِدْرِ ] وَالدَّلْوِ ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ وَسَعْدِ بْنِ عِيَاضٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كُنَّا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْمَاعُونَ الدَّلْوُ ، وَالْفَأْسُ ، وَالْقِدْرُ ، لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُنَّ .
وَحَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عِيَاضٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَاعُونِ ، فَقَالَ : مَا يَتَعَاوَرُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ : الْفَأْسُ وَالدَّلْوُ وَشَبَهُهُ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كُنَّا مَعَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَقُولُ : الْمَاعُونُ : مَنْعُ الدَّلْوِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ .
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ ، عَنْ قُتَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ ، وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كُلٌّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ، وَكُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَارِيَّةَ الدَّلْوِ وَالْقِدْرِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرٍّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : الْمَاعُونُ : الْعَوَارِي : الْقِدْرُ ، وَالْمِيزَانُ ، وَالدَّلْوُ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) يَعْنِي : مَتَاعَ الْبَيْتِ . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو مَالِكٍ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ : إِنَّهَا الْعَارِيَّةُ لِلْأَمْتِعَةِ .
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قَالَ : لَمْ يَجِئْ أَهْلُهَا بَعْدُ .
[ ص: 497 ]
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قَالَ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَمْنَعُونَ الزَّكَاةَ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَمْنَعُونَ الطَّاعَةَ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَمْنَعُونَ الْعَارِيَّةَ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ . ثُمَّ رُوِيَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ : الْمَاعُونُ : مَنْعُ النَّاسِ الْفَأْسَ ، وَالْقِدْرَ ، وَالدَّلْوَ .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ : رَأْسُ الْمَاعُونِ زَكَاةُ الْمَالِ ، وَأَدْنَاهُ الْمُنْخُلُ وَالدَّلْوُ ، وَالْإِبْرَةُ . رَوَاهُ ابْنُ أَبَى حَاتِمٍ .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَةُ حَسَنٌ ; فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا ، وَتَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ . وَهُوَ تَرْكُ الْمُعَاوَنَةِ بِمَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ . وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قَالَ : الْمَعْرُوفُ . وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ " .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ : ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قَالَ : بِلِسَانِ قُرَيْشٍ : الْمَالُ .
وَرَوَى هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا عَجِيبًا فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فَقَالَ :
حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ ، قَالَا : حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ ، حَدَّثَنَا دُلْهَمُ بْنُ دَهْثَمٍ الْعِجْلِيُّ ، حَدَّثَنَا عَائِذُ بْنُ رَبِيعَةَ النُّمَيْرِيُّ ، حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ دُعْمُوصٍ النُّمَيْرِيُّ : أَنَّهُمْ وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ : " لَا تَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْمَاعُونُ ؟ قَالَ : " فِي الْحَجَرِ ، وَفِي الْحَدِيدَةِ ، وَفِي الْمَاءِ " . قَالُوا : فَأَيُّ حَدِيدَةٍ ؟ قَالَ : " قُدُورُكُمُ النُّحَاسُ ، وَحَدِيدُ الْفَأْسِ الَّذِي تَمْتَهِنُونَ بِهِ " . قَالُوا : وَمَا الْحَجَرُ ؟ قَالَ : " قُدُورُكُمُ الْحِجَارَةُ " .
غَرِيبٌ جِدًّا ، وَرَفْعُهُ مُنْكَرٌ ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الصَّحَابَةِ تَرْجَمَةَ " عَلِيٍّ النُّمَيْرِيِّ " ، فَقَالَ : رَوَى ابْنُ قَانِعٍ بِسَنَدِهِ إِلَى عَائِذِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسٍ النُّمَيْرِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ فُلَانٍ النُّمَيْرِيِّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ . إِذَا لَقِيَهُ حَيَّاهُ بِالسَّلَامِ ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ، لَا يَمْنَعُ الْمَاعُونَ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْمَاعُونُ ؟ قَالَ : " الْحَجَرُ ، وَالْحَدِيدُ ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ " .
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ " الْمَاعُونِ " .
المصدر
اسلام ويب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق