صفحات

الثلاثاء، 14 مايو 2013

تَفْسِيرُ سُورَةِ التَّكْوِيرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ



-->

-->

الَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ الْقَاصُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ الصَّنْعَانِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ " ، وَ وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ " ، وَ " إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ

وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ( 1 ) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ( 2 ) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ( 3 ) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ( 4 ) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ( 5 ) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ( 6 ) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ( 7 ) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ( 8 ) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ( 9 ) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ( 10 ) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ( 11 ) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ( 12 ) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ( 13 ) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ( 14 ) )

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) يَعْنِي أَظْلَمَتْ وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنْهُ ذَهَبَتْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ اضْمَحَلَّتْ وَذَهَبَتْ وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ

وَقَالَ قَتَادَةُ ذَهَبَ ضَوْءُهَا . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ( كُوِّرَتْ ) غُوِّرَتْ

وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ ( كُوِّرَتْ ) يَعْنِي رُمِيَ بِهَا

وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ ( كُوِّرَتْ ) أُلْقِيَتْ وَعَنْهُ أَيْضًا نُكِّسَتْ . وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ تَقَعُ فِي الْأَرْضِ

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّكْوِيرَ جَمْعُ الشَّيْءِ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ وَمِنْهُ تَكْوِيرُ الْعِمَامَةِ وَهُوَ لَفُّهَا عَلَى الرَّأْسِ وَكَتَكْوِيرِ الْكَارِهِ ، وَهِيَ جَمْعُ الثِّيَابِ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِ ( كُوِّرَتْ ) جَمْعُ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ لُفَّتْ فَرَمَى بِهَا ، وَإِذَا فُعِلَ بِهَا ذَلِكَ ذَهَبَ ضَوْءُهَا .

[ ص: 329 ]

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَجِيلَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قَالَ يُكَوِّرُ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْبَحْرِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا دَبُّورًا فَتُضْرِمُهَا نَارًا وَكَذَا قَالَ عَامِرُ الشَّعْبِيُّ ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ

حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قَالَ كُوِّرَتْ فِي جَهَنَّمَ "

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ حَدَّثَنَا دُرُسْتُ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فِي النَّارِ "

هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ ضَعِيفٌ وَالَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "

انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ بِدْءِ الْخَلْقِ وَكَانَ جَدِيرًا أَنْ يَذْكُرَهُ هَاهُنَا أَوْ يُكَرِّرَهُ كَمَا هِيَ عَادَتُهُ فِي أَمْثَالِهِ! وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فَجَوَّدَ إِيرَادَهُ فَقَالَ

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَجَاءَ الْحَسَنُ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَحَدَّثَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ نُورَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ الْحَسَنُ وَمَا ذَنْبُهُمَا ؟ فَقَالَ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ أَحْسَبُهُ قَالَ وَمَا ذَنْبُهُمَا

ثُمَّ قَالَ لَا يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يَرْوِ عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) أَيِ انْتَثَرَتْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ) الِانْفِطَارِ : 2 وَأَصْلُ الِانْكِدَارِ الِانْصِبَابُ

قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَيْنَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ إِذْ ذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ تَنَاثَرَتِ النُّجُومُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ [ ص: 330 ] وَقَعَتِ الْجِبَالُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَتَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ وَاخْتَلَطَتْ فَفَزِعَتِ الْجِنُّ إِلَى الْإِنْسِ وَالْإِنْسُ إِلَى الْجِنِّ وَاخْتَلَطَتِ الدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَالْوُحُوشُ فَمَاجُوا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) قَالَ اخْتَلَطَتْ ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) قَالَ أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قَالَ قَالَتِ الْجِنُّ نَحْنُ نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ . قَالَ فَانْطَلَقُوا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا هُوَ نَارٌ تَأَجَّجُ ، قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ صَدْعَةً وَاحِدَةً إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى وَإِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرِّيحُ فَأَمَاتَتْهُمْ

رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَهَذَا لَفْظُهُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِبَعْضِهِ وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو صَالِحٍ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالضَّحَّاكُفِي قَوْلِهِ ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) أَيْ تَنَاثَرَتْ

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) أَيْ تَغَيَّرَتْ . وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) قَالَ انْكَدَرَتْ فِي جَهَنَّمَ وَكُلُّ مَنْ عَبَدَ مَنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ فِي جَهَنَّمَ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عِيسَى وَأُمِّهِ وَلَوْ رَضِيَا أَنْ يُعْبَدَا لَدَخَلَاهَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍبِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) أَيْ زَالَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَنُسِفَتْ فَتَرَكَتِ الْأَرْضَ قَاعًا صَفْصَفًا

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ عِشَارُ الْإِبِلِ قَالَ مُجَاهِدٌ : ( عُطِّلَتْ ) تُرِكَتْ وَسُيِّبَتْ

وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَالضَّحَّاكُ أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا : وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ لَمْ تَحْلِبْ وَلَمْ تُصَرَّ تَخَلَّى مِنْهَا أَرْبَابُهَا

وَقَالَ الضَّحَّاكُ تُرِكَتْ لَا رَاعِيَ لَهَا

وَالْمَعْنَى فِي هَذَا كُلِّهِ مُتَقَارِبٌ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعِشَارَ مِنَ الْإِبِلِ وَهِيَ خِيَارُهَا وَالْحَوَامِلُ مِنْهَا الَّتِي قَدْ وَصَلَتْ فِي حَمْلِهَا إِلَى الشَّهْرِ الْعَاشِرِ وَاحِدُهَا عُشَرَاءُ وَلَا يَزَالُ ذَلِكَ اسْمُهَا حَتَّى تَضَعَ قَدِ اشْتَغَلَ النَّاسُ عَنْهَا وَعَنْ كَفَالَتِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ مَا كَانُوا أَرْغَبَ شَيْءٍ فِيهَا بِمَا دَهَمَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الْمُفْظِعِ الْهَائِلِ وَهُوَ أَمْرُ الْقِيَامَةِ وَانْعِقَادُ أَسْبَابِهَا وَوُقُوعِ مُقَدِّمَاتِهَا

وَقِيلَ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَرَاهَا أَصْحَابُهَا كَذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْهَا وَقَدْ قِيلَ فِي الْعِشَارِ إِنَّهَا السَّحَابُ يُعَطَّلُ عَنِ الْمَسِيرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لِخَرَابِ الدُّنْيَا . وَ [ قَدْ قِيلَ إِنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي تُعَشَّرُ وَقِيلَ : إِنَّهَا الدِّيَارُ الَّتِي كَانَتْ تَسْكُنُ تُعَطَّلُ لِذَهَابِ أَهْلِهَا حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ " التَّذْكِرَةُ وَرَجَّحَ أَنَّهَا الْإِبِلُ وَعَزَاهُ إِلَى أَكْثَرِ النَّاسِ .

[ ص: 331 ]

قُلْتُ بَلْ لَا يُعْرَفُ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ سِوَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) أَيْ جُمِعَتْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) الْأَنْعَامِ 38 ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحْشَرُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الذُّبَابُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ هَذِهِ الْخَلَائِقَ [ مُوَافِيَةً فَيَقْضِي اللَّهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ

وَقَالَ عِكْرِمَةُ حَشْرُهَا : مَوْتُهَا

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) قَالَ حَشْرُ الْبَهَائِمِ : مَوْتُهَا وَحَشْرُ كُلِّ شَيْءٍ الْمَوْتُ غَيْرُهُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ فَإِنَّهُمَا يُوقَفَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي يَعْلَى عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) قَالَ أَتَى عَلَيْهَا أَمْرُ اللَّهِ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ أَبِي فَذَكَرْتُهُ لِعِكْرِمَةَ فَقَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَشْرُهَا : مَوْتُهَا

وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) اخْتَلَطَتْ

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْأُولَى قَوْلُ مَنْ قَالَ : ( حُشِرَتْ ) جُمِعَتْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ) ص 19 أَيْ : مَجْمُوعَةً

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِأَيْنَ جَهَنَّمُ قَالَ الْبَحْرُ . فَقَالَ مَا أَرَاهُ إِلَّا صَادِقًا ) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) [ الطَّوْرِ : 6 وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِرَتْ ( [ مُخَفَّفَةٌ .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ يُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهَا الدَّبُّورِ فَتُسَعِّرُهَا وَتَصِيرُ نَارًا تَأَجَّجُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ ( وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ )

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ النَّفَّاطُ شَيْخٌ صَالِحٌ يُشْبِهُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ إِنَّ هَذَا الْبَحْرَ بَرَكَةٌ يَعْنِي بَحْرَ الرُّومِ وَسَطَ الْأَرْضِ وَالْأَنْهَارُ كُلُّهَا تَصُبُّ فِيهِ وَالْبَحْرُ الْكَبِيرُ يَصُبُّ فِيهِ وَأَسْفَلُهُ آبَارٌ مُطَبَّقَةٌ بِالنُّحَاسِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُسْجِرَ [ ص: 332 ]

وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ عَجِيبٌ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا " الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ : ( سُجِّرَتْ ) أُوقِدَتْ وَقَالَ الْحَسَنُ يَبِسَتْ وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ غَاضَ مَاؤُهَا فَذَهَبَ وَلَمْ يُبْقِ فِيهَا قَطْرَةً وَقَالَ الضَّحَّاكُأَيْضًا : ( سُجِّرَتْ ) فُجِّرَتْ وَقَالَ السُّدِّيُّ فُتِحَتْ وَسُيِّرَتْ . وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ ( سُجِّرَتْ ) فَاضَتْ

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) أَيْ جُمِعَ كُلُّ شَكْلٍ إِلَى نَظِيرِهِ كَقَوْلِهِ ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) الصَّافَّاتِ : 22

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قَالَ : الضُّرَبَاءُ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ كُلِّ قَوْمٍ كَانُوا يَعْمَلُونَ عَمَلَهُ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) الْوَاقِعَةِ 7 10 ] قَالَ هُمُ الضُّرَبَاءُ .

ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَرَأَ ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) فَقَالَ : تَزَوُّجُهَا أَنْ تُؤَلَّفَ كُلُّ شِيعَةٍ إِلَى شِيعَتِهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ هُمَا الرَّجُلَانِ يَعْمَلَانِ الْعَمَلَ فَيَدْخُلَانِ بِهِ الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ .

وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ النُّعْمَانِ قَالَ سُئِلَ عُمَرُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) فَقَالَ يُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مَعَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَيُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ السُّوءِ مَعَ الرَّجُلِ السُّوءِ فِي النَّارِ فَذَلِكَ تَزْوِيجُ الْأَنْفُسِ

وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ النُّعْمَانِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلنَّاسِ مَا تَقُولُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) ؟ فَسَكَتُوا . قَالَ وَلَكِنْ هُوَ الرَّجُلُ يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالرَّجُلُ يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ قَرَأَ ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ )

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قَالَ ذَلِكَ حِينَ يَكُونُ النَّاسُ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قَالَ الْأَمْثَالُ مِنَ النَّاسِ جُمِعَ [ ص: 333 ] بَيْنَهُمْ وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُوَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ

قَوْلٌ آخَرُ فِي قَوْلِهِ ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ ] عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍقَالَ يَسِيلُ وَادٍ مَنْ أَصْلِ الْعَرْشِ مِنْ مَاءٍ فِيمَا بَيْنَ الصَّيْحَتَيْنِ وَمِقْدَارُ مَا بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ عَامًا فَيَنْبُتُ مِنْهُ كُلُّ خَلْقٍ بَلِيَ مِنَ الْإِنْسَانِ أَوْ طَيْرٍ أَوْ دَابَّةٍ وَلَوْ مَرَّ عَلَيْهِمْ مَارٌّ قَدْ عَرَفَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَعَرَفَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ قَدْ نَبَتُوا ثُمَّ تُرْسَلُ الْأَرْوَاحُ فَتَزَوَّجُ الْأَجْسَادُ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ )

وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) أَيْ زُوِّجَتْ بِالْأَبْدَانِ . وَقِيلَ زُوِّجَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْحُورِ الْعِينِ وَزُوِّجَ الْكَافِرُونَ بِالشَّيَاطِينِ حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ .

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) هَكَذَا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ : ( سُئِلَتْ ) وَالْمَوْءُودَةُ هِيَ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَدُسُّونَهَا فِي التُّرَابِ كَرَاهِيَةَ الْبَنَاتِ فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تُسْأَلُ الْمَوْءُودَةُ عَلَى أَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَهْدِيدًا لِقَاتِلِهَا فَإِذَا سُئِلَ الْمَظْلُومُ فَمَا ظَنُّ الظَّالِمِ إِذًا

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ) أَيْ سَأَلَتْ وَكَذَا قَالَ أَبُو الضُّحَى سَأَلَتْ " أَيْ طَالَبَتْ بِدَمِهَا وَعَنِ السُّدِّيِّ وَقَتَادَةَ مِثْلُهُ .

وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْءُودَةِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ - عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ جُدَامَةَ بَنْتِ وَهْبٍأُخْتِ عُكَّاشَةَ قَالَتْ حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاسٍ وَهُوَ يَقُولُ " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ وَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ وَهُوَ الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْيَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ [ ص: 334 ] أَنَسٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْأَبِي الْأَسْوَدِ بِهِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَخِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّنَا مُلَيْكَةَ كَانَتْ تَصِلُ الرَّحِمَ وَتُقِرِّي الضَّيْفَ وَتَفْعَلُ [ وَتَفْعَلُ هَلَكَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا قَالَ لَا " قُلْنَا فَإِنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا قَالَ الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَ الْوَائِدَةَ الْإِسْلَامُ فَيَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهَا

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ بِهِ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَأَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ "

وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ حَدَّثَتْنِي حَسْنَاءُ ابْنَةُ مُعَاوِيَةَ الصَّرِيمِيَّةُ عَنْ عَمِّهَا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ فِي الْجَنَّةِ ؟ قَالَ النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ وَالْمَوْءُودَةُ فِي الْجَنَّةِ "

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ فِي الْجَنَّةِ قَالَ الْمَوْءُودَةُ فِي الْجَنَّةِ

هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَنَّةِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ فَقَدْ كَذَبَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ الْمَدْفُونَةُ

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) ، قَالَ جَاءَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَأَدْتُ بَنَاتٍ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَقَبَةً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي صَاحِبُ إِبِلٍ ؟ قَالَ فَانْحَرْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَدَنَةً [ ص: 335 ]

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ خُولِفَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْهُ .

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَأَدْتُ ثَمَانِ بَنَاتٍ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَأَهْدِ إِنْ شِئْتَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَدَنَةً ثُمَّ قَالَ

حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : قَدِمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَأَدْتُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ابْنَةً لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَالَ " أَعْتِقْ عَدَدَهُنَّ نَسَمًا قَالَ فَأَعْتَقَ عَدَدَهُنَّ نَسَمًا فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ جَاءَ بِمِائَةِ نَاقَةٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ صَدَقَةُ قُومِي عَلَى أَثَرِ مَا صَنَعْتُ بِالْمُسْلِمِينَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَكُنَّا نُرِيحُهَا وَنُسَمِّيهَا الْقَيْسِيَّةُ .

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) قَالَ الضَّحَّاكُ أُعْطِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ صَحِيفَتَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ وَقَالَ قَتَادَةُ صَحِيفَتُكَ يَا ابْنَ آدَمَ تُمْلَى فِيهَا ثُمَّ تُطْوَى ثُمَّ تُنْشَرُ عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَنْظُرْ رَجُلٌ مَاذَا يُمْلِي فِي صَحِيفَتِهِ

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ) قَالَ مُجَاهِدٌ اجْتُذِبَتْ وَقَالَ السُّدِّيُّ كُشِفَتْ وَقَالَ الضَّحَّاكُ تَنْكَشِطُ فَتَذْهَبُ

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ) قَالَ السُّدِّيُّ أُحْمِيَتْ وَقَالَ قَتَادَةُ أُوقَدَتْ . قَالَ وَإِنَّمَا يُسَعِّرُهَا غَضَبُ اللَّهِ وَخَطَايَا بَنِي آدَمَ

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) قَالَ الضَّحَّاكُ وَأَبُو مَالِكٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ أَيْ قَرُبَتْ إِلَى أَهْلِهَا

وَقَوْلُهُ ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ) هَذَا هُوَ الْجَوَابُ ، أَيْ إِذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ حِينَئِذٍ تَعْلَمُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَأُحْضِرَ ذَلِكَ لَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ) آلِ عِمْرَانَ 30 وَقَالَ تَعَالَى ( يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ )الْقِيَامَةِ : 13

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قَالَعُمَرُ لَمَّا بَلَغَ ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ) قَالَ لِهَذَا أَجْرَى الْحَدِيثُ



( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ( 15 ) الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ( 16 ) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ( 17 ) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ( 18 ) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( 19 )ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ( 20 ) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ( 21 ) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ( 22 ) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ( 23 ) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ( 24 ) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ( 25 ) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ( 26 ) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ( 27 ) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ( 28 ) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( 29 ) )


رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ، وَالنَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ حَدِيثِ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ ( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) .

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ بِهِ نَحْوَهُ .

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُرَادٍ عَنْ عَلِيٍّ ( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ) قَالَ هِيَ النُّجُومُ تَخْنِسُ بِالنَّهَارِ وَتَظْهَرُ بِاللَّيْلِ

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عَرْعَرَةَ سَمِعْتُ عَلِيًّا وَسُئِلَ عَنْ ( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ) فَقَالَ هِيَ النُّجُومُ تَخْنِسُ بِالنَّهَارِ وَتَكْنُسُ بِاللَّيْلِ .

وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ هِيَ النُّجُومُ

وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ صَحِيحٌ إِلَى خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ وَهُوَ السَّهْمِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَرَوَى عَنْهُ سِمَاكٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيُّوَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحًا وَلَا تَعْدِيلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَرَوَى يُونُسُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهَا النُّجُومُ . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّوَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا النُّجُومُ

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ ( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ) قَالَ هِيَ النُّجُومُ الدَّرَارِيُّ الَّتِي تَجْرِي تَسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقَ .

[ ص: 337 ]

وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إِنَّمَا قِيلَ لِلنُّجُومِ الْخُنَّسُ " أَيْ فِي حَالِ طُلُوعِهَا ثُمَّ هِيَ جِوَارٌ فِي فَلَكِهَا وَفِي حَالِ غَيْبُوبَتِهَا يُقَالُ لَهَا كُنَّسٌ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ أَوَى الظَّبْيُ إِلَى كُنَاسَةٍ إِذَا تَغَيَّبَ فِيهِ

وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ) قَالَ بَقَرُ الْوَحْشِ وَكَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ) مَا هِيَ يَا عَمْرُو قُلْتُ الْبَقَرُ . قَالَ وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ

وَكَذَا رَوَى يُونُسُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ) قَالَ الْبَقَرُ [ الْوَحْشُ تَكْنُسُ إِلَى الظِّلِّ وَكَذَا قَالَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ الظِّبَاءُ وَكَذَا قَالَ سَعِيدٌ أَيْضًا وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ

وَقَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ هِيَ الظِّبَاءُ وَالْبَقَرُ

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا تَذَاكَرَا هَذِهِ الْآيَةَ ( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ) فَقَالَ إِبْرَاهِيمُلِمُجَاهِدٍ قُلْ فِيهَا بِمَا سَمِعْتَ قَالَ فَقَالَ مُجَاهِدٌ كُنَّا نَسْمَعُ فِيهَا شَيْئًا وَنَاسٌ يَقُولُونَ إِنَّهَا النُّجُومُ قَالَ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ قُلْ فِيهَا بِمَا سَمِعْتَ قَالَ فَقَالَ مُجَاهِدٌ كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهَا بَقَرُ الْوَحْشِ حِينَ تَكْنُسُ فِي حُجْرَتِهَا قَالَ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى عَلَيٍّ ، هَذَا كَمَا رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ ضَمَّنَ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى وَالْأَعْلَى الْأَسْفَلَ

وَتَوَقَّفَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ ( الْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ) هَلْ هُوَ النُّجُومُ أَوِ الظِّبَاءُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ ؟ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ مُرَادًا

وَقَوْلُهُ ( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ) فِيهِ قَوْلَانِ

أَحَدُهُمَا إِقْبَالُهُ بِظَلَامِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ أَظْلَمَ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا نَشَأَ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِذَا غَشَّى النَّاسَ وَكَذَا قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( إِذَا عَسْعَسَ ) إِذَا أَدْبَرَ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَكَذَا قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (إِذَا عَسْعَسَ ) أَيْ إِذَا ذَهَبَ فَتَوَلَّى

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ ثَوَّبَ الْمُثَوِّبُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ أَيْنَ السَّائِلُونَ عَنِ الْوِتْرِ ( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) ؟ هَذَا حِينَ أَدْبَرَ حَسَنٌ

[ ص: 338 ] وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ( إِذَا عَسْعَسَ ) إِذَا أَدْبَرَ قَالَ لِقَوْلِهِ ( وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) أَيْ : أَضَاءَ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ أَيْضًا :


حَتَّى إِذَا الصُّبْحُ لَهُ تَنَفَّسَا وَانَجَابَ عَنْهَا لَيْلُهَا وَعَسْعَسَا


أَيْ أَدْبَرَ وَعِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ( عَسْعَسَ ) إِذَا أَقْبَلَ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِدْبَارِ لَكِنَّ الْإِقْبَالَ هَاهُنَا أَنْسَبُ كَأَنَّهُ أَقْسَمَ تَعَالَى بِاللَّيْلِ وَظَلَامِهِ إِذَا أَقْبَلَ وَبِالْفَجْرِ وَضِيَائِهِ إِذَا أَشْرَقَ كَمَا قَالَ ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) اللَّيْلِ 1 2 وَقَالَ ( وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ) الضُّحَى 1 ، 2 وَقَالَ ( فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ) الْأَنْعَامِ : 96 وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ

وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ إِنَّ لَفْظَةَ " عَسْعَسَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاكِ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَزْعُمُ أَنَّ عَسْعَسَ دَنَا مِنْ أَوَّلِهِ وَأَظْلَمَ وَقَالَ الْفَرَّاءُ كَانَ أَبُو الْبِلَادِ النَّحْوِيُّ يُنْشِدُ بَيْتًا :


عَسْعَسَ حَتَّى لَوْ يَشَاءُ ادَّنَا     كَانَ لَهُ مِنِ ضَوْئِهِ مَقْبِسُ


يُرِيدُ لَوْ يَشَاءُ إِذْ دَنَا أُدْغِمَ الذَّالَ فِي الدَّالِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ مَصْنُوعٌ .

وَقَوْلُهُ ( وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) قَالَ الضَّحَّاكُ إِذَا طَلَعَ وَقَالَ قَتَادَةُ إِذَا أَضَاءَ وَأَقْبَلَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا نَشَأَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ يَعْنِي وَضَوْءُ النَّهَارِ إِذَا أَقْبَلَ وَتَبَيَّنَ

وَقَوْلُهُ ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَتَبْلِيغُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أَيْ مَلَكٌ شَرِيفٌ حَسَنُ الْخَلْقِ بَهِيُّ الْمَنْظَرِ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَهُابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُمْ

( ذِي قُوَّةٍ ) كَقَوْلِهِ ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ] ) النَّجْمِ 5 6 ] أَيْ شَدِيدُ الْخَلْقِ شَدِيدُ الْبَطْشِ وَالْفِعْلِ ( عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) أَيْ لَهُ مَكَانَةٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ

قَالَ أَبُو صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ ( عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) قَالَ : جِبْرِيلُ يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ [ ص: 339 ] نُورٍ بِغَيْرِ إِذْنٍ ( مُطَاعٍ ثَمَّ ) أَيْ لَهُ وَجَاهَةٌ وَهُوَ مَسْمُوعُ الْقَوْلِ مُطَاعٌ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى

قَالَ قَتَادَةُ ( مُطَاعٍ ثَمَّ ) أَيْ فِي السَّمَوَاتِ ، يَعْنِي لَيْسَ هُوَ مِنْ أَفْنَادِ الْمَلَائِكَةِ بَلْ هُوَ مِنَ السَّادَةِ وَالْأَشْرَافِ مُعْتَنَى بِهِ انْتُخِبَ لِهَذِهِ الرِّسَالَةِ الْعَظِيمَةِ

وَقَوْلُهُ : ( أَمِينٍ ) صِفَةٌ لِجِبْرِيلَ بِالْأَمَانَةِ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا أَنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ يُزَكِّي عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ الْمَلَكِيَّ جِبْرِيلَ كَمَا زَكَّى عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ الْبَشَرِيَّ مُحَمَّدًاصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ ( وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ )

قَالَ الشَّعْبِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو صَالِحٍ وَمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ( وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) يَعْنِي : مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى ( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) يَعْنِي وَلَقَدْ رَأَى مُحَمَّدُ جِبْرِيلَ الَّذِي يَأْتِيهِ بِالرِّسَالَةِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا لَهُ سِتُّمِائَةُ جَنَاحٍ ( بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) أَيِ : الْبَيِّنُ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ الْأَوْلَى الَّتِي كَانَتْ بِالْبَطْحَاءِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) النَّجْمِ 5 - 10 كَمَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ وَتَقْرِيرُهُ وَالدَّلِيلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جِبْرِيلُعَلَيْهِ السَّلَامُ . وَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا إِلَّا هَذِهِ الرُّؤْيَةَ وَهِيَ الْأُولَى وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ) النَّجْمِ 13 - 16 فَتِلْكَ إِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي سُورَةِ النَّجْمِ وَقَدْ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ

وَقَوْلُهُ ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) أَيْ وَمَا مُحَمَّدٌ عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ بِظَنِينٍ أَيْ : بِمُتَّهَمٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالضَّادِ أَيْ : بِبَخِيلٍ بَلْ يَبْذُلُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ظَنِينٌ وَضَنِينٌ سَوَاءٌ أَيْ مَا هُوَ بِكَاذِبٍ وَمَا هُوَ بِفَاجِرٍ وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ وَالضَّنِينُ : الْبَخِيلُ

وَقَالَ قَتَادَةُ كَانَ الْقُرْآنُ غَيْبًا فَأَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَمَا ضَنَّ بِهِ عَلَى النَّاسِ بَلْ بَلَّغَهُ وَنَشَرَهُ وَبَذَلَهُ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَهُ وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قِرَاءَةَ الضَّادِ .

قُلْتُ وَكِلَاهُمَا مُتَوَاتِرٌ وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ

وَقَوْلُهُ ( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ) أَيْ وَمَا هَذَا الْقُرْآنُ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهِ وَلَا يُرِيدُهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ كَمَا قَالَ ( وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ) الشُّعَرَاءِ 210 - 212

[ ص: 340 ]

وَقَوْلُهُ ( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) ؟ أَيْ : فَأَيْنَ تَذْهَبُ عُقُولُكُمْ فِي تَكْذِيبِكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ مَعَ ظُهُورِهِ وَوُضُوحِهِ وَبَيَانِ كَوْنِهِ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِوَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ حِينَ قَدِمُوا مُسْلِمِينَ وَأَمَرَهُمْ فَتَلَوْا عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ قُرْآنِ مُسَيْلِمَةَ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْهَذَيَانِ وَالرَّكَاكَةِ فَقَالَ : وَيْحَكُمْ أَيْنَ يُذْهَبُ بِعُقُولِكُمْ ؟ وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِلٍّ أَيْ مِنْ إِلَهٍ

وَقَالَ قَتَادَةُ ( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) أَيْ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَعَنْ طَاعَتِهِ .

وَقَوْلُهُ ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ) أَيْ هَذَا الْقُرْآنُ ذِكْرٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ يَتَذَكَّرُونَ بِهِ وَيَتَّعِظُونَ ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) أَيْ مَنْ أَرَادَ الْهِدَايَةَ فَعَلَيْهِ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ مَنْجَاةٌ لَهُ وَهِدَايَةٌ وَلَا هِدَايَةَ فِيمَا سِوَاهُ ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) أَيْ لَيْسَتِ الْمَشِيئَةُ مَوْكُولَةً إِلَيْكُمْ فَمَنْ شَاءَ اهْتَدَى وَمَنْ شَاءَ ضَلَّ بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ تَابِعٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَبِّ الْعَالَمِينَ

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) قَالَ أَبُو جَهْلٍ الْأَمْرُ إِلَيْنَا إِنْ شِئْنَا اسْتَقَمْنَا وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَسْتَقِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) .

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ التَّكْوِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ [ وَالْمِنَّةُ .

المصدر

تفسير بن كثير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق