( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ( 16 ) )
قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ مُرَّةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ) قَالَ : أَخَذُوا الضَّلَالَةَ وَتَرَكُوا الْهُدَى .
وَقَالَ [ مُحَمَّدُ ] بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى )أَيِ : الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا .
وَقَالَ قَتَادَةُ : اسْتَحَبُّوا الضَّلَالَةَ عَلَى الْهُدَى [ أَيِ : الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ ] . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ يُشْبِهُهُ فِي الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى فِي ثَمُودَ : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) [ فُصِّلَتْ : 17 ] .
وَحَاصِلُ قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا تَقَدَّمَ : أَنَّ الْمُنَافِقِينَ عَدَلُوا عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالِ ، وَاعْتَاضُوا عَنِ الْهُدَى بِالضَّلَالَةِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ) أَيْ بَذَلُوا الْهُدَى ثَمَنًا لِلضَّلَالَةِ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مِنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْإِيمَانُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى الْكُفْرِ ، كَمَا قَالَ [ص: 186 ] تَعَالَى فِيهِمْ : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) [ الْمُنَافِقُونَ : 3 ] ، أَوْ أَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الضَّلَالَةَ عَلَى الْهُدَى ، كَمَا يَكُونُ حَالُ فَرِيقٍ آخَرَ مِنْهُمْ ، فَإِنَّهُمْ أَنْوَاعٌ وَأَقْسَامٌ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) أَيْ : مَا رَبِحَتْ صَفْقَتُهُمْ فِي هَذِهِ الْبَيْعَةِ ، ( وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) أَيْ : رَاشِدِينَ فِي صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ( فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) قَدْ - وَاللَّهِ - رَأَيْتُمُوهُمْ خَرَجُوا مِنَ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ ، وَمِنَ الْجَمَاعَةِ إِلَى الْفُرْقَةِ ، وَمِنَ الْأَمْنِ إِلَى الْخَوْفِ ، وَمِنَ السُّنَّةِ إِلَى الْبِدْعَةِ . وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ ، عَنْسَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، بِمِثْلِهِ سَوَاءٌ .
المصدر
تفسير بن كثير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق